رمضان وإرادة التغيير
رمضان وإرادة التغيير
عصام محمد فهيم جمعة
يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
في تفسير هذه الآية: "فإن الله لا يغيِّر نعمة أو بؤسًا، ولا يغيِّر عزًّا أو ذلةً، ولا يغيِّر مكانة أو مهانة، إلا أن يغيِّر الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغيِّر الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم".
وهذه دعوة صريحة إلى إصلاح النفس أولًا، وبصلاحها ينصلح البيت والمجتمع كلُّه، ويحدث التغيير المنشود إلى الأفضل.
يقول أديب العربية (مصطفى صادق الرافعي) في كتابه وحي القلم: "وفي ترائي الهلال ووجوب الصوم لرؤيته معنى دقيقٌ آخرُ، وهو مع إثبات رؤية الهلال وإعلانها، إثبات الإرادة وإعلانها، كأنما انبعث أول الشعاع السماوي في التنبيه الإنساني العام لفروض الرحمة والإنسانية والبر، وهنا حكمة كبيرة من حِكَمِ الصوم، وهي عمله في تربية الإرادة وتقويتها بهذا الأسلوب العملي، الذي يدرِّب الصائم على أن يمتنع باختياره عن شهوته ولذَّاته، مصرًّا على الامتناع".
وفي شهر رمضان يتغيَّر كلُّ شيء.. برنامج المجتمع اليومي، والبرنامج الشخصي لكل فرد.. تتغير مواعيد النوم والعمل، ومواعيد الزيارات والطعام، تتغير عبادة الإنسان لربِّه، فيكون أكثر قربًا لله، وأكثر قراءة للقرآن، وأكثر صلاة، ويشعر بأنه غدا إنسان آخر.
شهر رمضان يعلِّمنا أننا نستطيع أن نتغير لو أننا قرَّرنا ذلك؛ بل هو فرصة للتغيير؛ لأن الله قد أودع الإنسان طاقة كبرى للتغيير في هذا الشهر.
رمضان فرصة للتغيير لمن كان مفرِّطًا في صلاته: فلا يصليها مطلقًا، أو يؤخرها عن وقتها، أو يتخلف عن أدائها في جماعة في المسجد.. رمضان فرصة للمحافظة على هذه الصلاة، وإلف المساجد وعمارتها بالذِّكر والتسبيح وحلق القرآن، فاستعن بالله واعزم من الآن أن يكون هذا الشهر بداية للمحافظة على الصلاة، وتلبية النداء، والصف الأول؛ لتدخل في قوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: 34، 35]، ولتتصف بصفات المؤمنين ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23].
رمضان فرصة للتغيير لمن كان مقصِّرًا في صلاة الفجر وقيام الليل، يقول لهم: إنكم تستطيعون المحافظة عليها كلَّ يوم وكل ليلة لو أردتم ذلك، فلماذا الكسل طوال العام؟
رمضان فرصة للتغيير لمن هجَر القرآن قراءة وتدبرًا وحفظًا وعملًا، حتى أصبح القرآن نسيًا منسيًّا، فرمضان هو شهر القرآن، وبداية التغيير يقول لك: تستطيع أن تختمه في كل شهر لو أردت ذلك، فلماذا الهجر طوال العام؟!
اصطلح مع القرآن، وابدأ صفحة جديدة في رمضان، وحدِّد لنفسك ختمة وحدك بتدبر، وختمة في مقرأة المسجد، وختمة في الصلاة، فقد كان للإمام الشافعي رحمه الله ستين ختمة في رمضان.
رمضان فرصة لمن ابتلاه الله تعالى بتعاطي الحرام من مخدرات ومسكرات أو دخان، وقد صام عن كل ذلك في نهار رمضان، أن لا يفعل ذلك بعد إفطاره، وأن يستمر على جهاده وعزيمته التي جعلتْه يمسك طوال ساعات الصيام، يقول للمدمن المدخن: إنك تستطيع بإرادتك أن تمتنع عن تعاطي الحرام، فلماذا لا تقلع عن ذلك إلى الأبد؟!
رمضان فرصة للتغيير لمن تعوَّد على حياة المترفين، ونشأ على حب الدعة واللين: أن يأخذ من رمضان درسًا في تربية النفس على المجاهدة والخشونة في أمر الحياة؛ فربما يتغير الحال، فقد جاء في الأثر: (اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم)، فلا يكن همُّك في هذا الشهر ما تأكل وما تشرب وما تلبس.. ليكن همك إحسان العبادة والقَبول ورضا ربك عز وجل، والاهتمام بأمر المسلمين وشؤونهم؛ لتربية أنفسنا على معالي الأمور.
رمضان فرصة للتغيير من مساوئ أخلاقنا، وفحش أقوالنا؛ فالصوم يدرِّب المسلم على أن يمتنع باختياره عن الأخلاق السيئة..ويضع له منهجًا للتغيير، ويعطيه فترة تدريبية من خلال مدرسة الثلاثين يومًا، فقد علَّمَنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ((فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَلَه، فليقل: إني امرؤٌ صائم))، وفي رواية قال: ((فلا يرفُثْ ولا يجهل، وإن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، مرتين))؛ (رواه البخاري)، وقال أيضًا: ((من لم يدَعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدَعَ طعامه وشرابه))؛ (رواه البخاري).
رمضان فرصة لتغيير من جُبل على الشُّحِّ والبخل والأنانية وفقدان الشعور بالجسد الواحد والأمَّة الواحدة؛ فرمضان مدرسة للقضاء على صفة الشحِّ والبخل، ويربِّي المسلم على الإحساس بالغير، فرمضان شهر تنمية الإحساس؛ وقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخِلُه على مسلم، تكشف عنه كُربةً، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا...))؛ (صححه الألباني).
رمضان فرصة للتغيير لمن كان قليل الصبر سريع الغضب.. يتعلم المسلم من رمضان الصبر والحلم والأناة، فأنت تصبر على الجوع والعطش، والتعب والنصب ساعاتٍ طويلة، وفي هذا تدريب على الصبر تجاه تصرفات الناس وسوء أخلاقهم، فلا تغضب سريعًا.. وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل وقال: أَوصني يا رسول الله، فردَّ عليه بكلمة واحدة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب))، فردَّدَ مرارًا ((لا تغضب))؛ (رواه البخاري)، وبيَّن أن المسلم القويَّ حقيقةً، ليس بالعضلات المفتولة، ولا الشارب الطويل، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشُّديد بالصُّرَعة، إنما الشَّديد الذي يَملِكُ نفسَه عند الغضب))؛ (رواه البخاري ومسلم).
فعلى المسلم أن يجعل شهر رمضان شهرًا للتخلية عن جميع الصفات السلبية، وأن يجعله شهرًا للتحلية بكل الصفات الإيجابية، ولن يحدُث ذلك إلا في شهر الإرادة والتغيير.
واجب عملي:
اجمَعْ بعض الصفات السلبية التي تتصف بها، وحاول أن تغيِّرها في شهر الإرادة والتغيير.
التجويد:
تابع: حروف تفخم أو ترقق لما يطرأ عليه.
3- حرف الراء: وله ثلاث حالات.
أولًا: حالة التفخيم:
أ- إذا كانت الراء مفتوحة؛ مثل: (رَبنا - تبارَك - رَجيم).
ب- إذا كانت الراء مضمومة؛ مثل: (رُزقوا - منتظرُون - الرُّجعى).
ج- إذا كانت الراء ساكنة وقبلها فتح أو ضم؛ مثل: (وانحَرْ - فصُرْهُنَّ).
د- إذا سُبقت الراء بهمزة وصل؛ مثل: (منِ ارْتضى).
ثانيًا: حالة الترقيق:
أ- إذا كانت الراء مكسورة، سواء أكانت في أول الكلمة أو في وسطها أو في آخرها؛ مثل: (رِزقًا - الرِّقاب - والفجرِ).
ب- إذا كان قبل الراء حرف مد ولين؛ مثل: (قدير - خبير - بصير)، وحرف لين مثل: (خير) عند الوقف على الكلمة.
ج- إذا كانت ساكنة وما قبلها مكسور، وليس بعدها حرف استعلاء؛ مثل: "أنذِرْهم - مِرْية - فِرْعون"؛ فالترقيق في كلمة "فرعون" للتحقير.
ثالثًا: حالة جواز التفخيم أو الترقيق:
أ- إذا كانت الراء ساكنة وقبلها مكسور وبعدها حرف استعلاء مكسور، ولم ترد في القرآن إلا في موضع واحد، هو لفظ (فِرْقٍ) في سورة الشعراء.
ب- إذا كانت ساكنة بعد ضم وقبل ياء محذوفة تخفيفًا؛ مثل: (ونذُرِ).
ج- إذا سكنت بعد كسر للوقف، وفصل بينها وبين الكسر حرف استعلاء، مثل: (عين القطِر - مصِر).
علوم القرآن:
الناسخ والمنسوخ:
النَّسخ: هو إزالة حكم شرعيٍّ سابق بخطاب شرعيٍّ لاحق، ولا نسخ في العقائد أو الأخلاقيات أو الأخبار أو أصول العبادات والمعاملات، قال تعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ [البقرة: 106].
وهذا ابن عباس رضي الله عنه يلفت النظر إلى أهمية معرفة الناسخ من المنسوخ، ويجعله جزءًا من تفسير (الحكمة) في قوله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 269].
فقد أورَدَ عنه ابن جرير رحمه الله في ذلك قوله: (يعني المعرفة بالقرآن: ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه)؛ لذلك فقد قال الأئمة: إنه لا يجوز لأحد أن يفسِّر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ، وأدنى تأمل يكفي في أن معرفة هذا الفن للفقهاء والأصوليين والمفسرين واجبة؛ وإلا اختلطت الأحكام، وقد يقف أحدهم عند المنسوخ فيتخذه حُجة، وعند ذلك يقع في الضلال والإضلال، ولا يميِّز الحلال والحرام.
ولقد مر عليٌّ رضي الله عنه على قاضٍ، فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، فقال: هلكتَ وأهلكتَ، وفي واقعة أخرى أنه دخل المسجد فإذا رجل يخوِّف الناس؛ أي: يعظهم بالقرآن، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل يذكِّر الناس، فقال: ليس برجل يذكِّر الناس، ولكنه يقول: أنا فلان بن فلان فاعرفوني، فأرسل إليه: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: فاخرُجْ من مسجدنا، ولا تذكِّر فيه.
كيف تحفظ القرآن؟
حفظ القرآن طريقك إلى السعادة:
لو تأملنا حفَظةَ كتاب الله، ودرسنا حياتهم وسعادتهم، سوف نرى بأن من يحفظ القرآن هو أكثر الناس سعادة، وأكثرهم بعدًا عن الاكتئاب؛ فحفظ القرآن يعيد برمجة الدماغ، ويعطي ثقة كبيرة بالله تعالى وبقدرته، وأن كل ما يأتيك من عنده هو الخير، وبذلك يطمئن قلبك، ويزول همك، وقد أثبت العلماء أن السعادة ليست بكثرة المال؛ بل بأن يضع الإنسان أمامه هدفًا عظيمًا، ويسعى لتحقيقه، والسؤال: هل يوجد هدف أعظم من حفظ كتاب الله؟
إرسال تعليق
إرسال تعليق
أكتب تعليق هنا